مقال للأستاذ عبدالرسول النور رداً على شائعة تسليح القبائل

18 يوليو، 2020

مقال للأستاذ عبدالرسول النور رداً على شائعة تسليح القبائل

18 يوليو، 2020

🕊شبكة الزاجل الإخبارية 🕊

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنآ محمد وعلى آله وصحبه مع التسليم..
الجدل العقيم يلد البغضاء والكراهية. و يلقح كشافا فيتئم.3
(ولايجرمنكم شنان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى)صدق الله العظيم..
استعجلني كثيرون من القراء الكرام أن أجيب على السؤال الملح.. من سلح القبائل؟ ولم يستطيعوا صبرا على ما لم يحيطوا به خبرا! والقبائل المعنية هي بالطبع القبائل البدوية المحاددة لمناطق النزاع او تعيش داخلها..منها قبائل المسيرية و الرزيقات والحوازمة وأولاد حميد و كنانة والكواهلة وآخرون.. فالقبائل الأخرى وهي غير العربية فقد سلحتها الحركة الشعبية طوعا اوكرها الشيئ الذي اخل بتوازن القوة الذي كان سائدا منذ قرون بين القبائل.. التى كان اعتمادها على السلاح الأبيض والعصي..
كان السلاح الناري ممنوعا منعا باتا يجرم اقتناؤه وحمله ناهيك عن استخدامه.. إلا لمنسوبي الخدمة العسكرية وشبه العسكرية كخفراء الإدارة الأهلية.. وتم استثناء النوبة اذ سمح لهم بحمل (المرمطون) وهو سلاح ناري بدائي.. فقد كان النوبة هم المكون الوحيد في كردفان الكبرى الذي يحمل سلاحا ناريا.. ولم تشهد المنطقة اي صراع جمعي استخدم فيه النوبة ذاك السلاح.. اذ كانت هيبة الدولة وسطوتها معلومة لدي الجميع..
ولم تكن القبائل البدوية بحاجة إلى السلاح الناري.. فكانوا يصطادون الزراف و الجاموس وكل الصيد حتى الفيل يصطادونه بالحراب ابرازا للشجاعة وطمعا في العاج واللحم.. وكان القليل منهم من يمتلك بندقية خرطوش صناعة الحدادين (دق ابظرطة) ..يجتهد في اخفائها عن أعين المسؤولين او عيونهم.. وبعد قيام البرلمانات تحصل بعض النواب و الزعماء علي تصديق بحمل بنادق الخرطوش وبنادق الصيد وفق إجراءات صارمة مع محدودية الذخيرة وفق التصديق الممنوح.. هكذا كان الحال حتى بدأت حركة انانيا (2) نقل نشاط عملياتها شمالا بعد ثورة أكتوبر 1964م التي أسندت وزارة الداخلية التي تهمين علي كل القوي الامنية.. الشرطة والامن العام للسيد كلمنت امبورو رئيس جبهة الجنوب التي كانت تتعاطف مع حملة السلاح المطالبين بانفصال الجنوب.. وكان من أهم تلك المحاولات.. الهجوم الشامل من قبل قوات الحركة على طول (الرقبة الزرقة) شمال مدينة أبيي الحالية.. فقتل كثيرون من البدو المسيرية بالرصاص قبيل الفجر وهم نائمون.. في ما عرف بالمنطقة (بالدوسة العمومية).. إذ وجد البدو أنفسهم يقاتلون بالحراب عدوا لا يرونه بالعين وإنما يسمعون دوي الرصاص ويرون إخوانهم يتساقطون كورق الشجر في يوم عاصف.. ومن هنا ايقنوا أهمية الحصول على ذاك السلاح السحري الحاسم.. ان ما حدث في( الرقبة الزرقة) وما ترتب عليه من ردود أفعال عنيفة خاصة ما حدث في بابنوسة والمجلد.. مما احدث شرخا في النسيج الاجتماعي في مناطق التعايش السلمي والتمازج فاضحت مناطقا للتماس و الاشتعال.. منذ تلك الأحداث و مع ضعف الحكومات المتعاقبة بما فيها حكومات فترات الديموقراطية القصيرة وعجزها عن حماية البدو وممتلكاتهم.. جد البدو في البحث عن السلاح.. فباعوا كثيرا من الأبقار و الاغنام للحصول على السلاح بالرغم من حذرهم من ملاحقة السلطات الامنية لهم.. كانت الحربان التشادية التشادية في الغرب والاريترية الإثيوبية في الشرق.. ساحة للحصول على السلاح.. وكذلك بعض سلاح الجيش عبر هروب بعض المجندين باسلحتهم او الشراء عبر بوابات الفساد المختلفة.. من الجيش والقوات النظامية فازدهرت تجارة السلاح واصبحت المنطقة قبلة لمن يريد ان يبيع او يشتري سلاحا.. فبالاضافة الي ما يغنم من سلاح من رد هجوم المسلحين او الهجوم عليهم.. فكان حمل السلاح فرض عين علي كل قادر على حمله.. وكان حملة الحراب من غير الفرسان.. يطلق عليه استهزاء (ام باغة) لا جنسية لا بطاقة.. (الميت شهيد والحي مستفيد..) اي انه سوف يحصل على سلاح يرفع به شأنه.. وبهذا انتشر السلاح بين القبائل المجاورة كافة.. بالرغم من الحذر من حمله علانية او الظهور به في الأماكن العامة.. وقد حوكم كثيرون بالسجن والغرامة ومصادرة السلاح المعني.. عبر التبليغ او المداهمة..وقد زاد الطلب على السلاح بعد قرار الحركة الشعبية نقل الحرب الي جنوب كردفان و إسناد المهمة كما تقدم إلى قوات النوبة والانقسنا ودينكا نقوك فحدثت مجازر الأزرق وبحيرتي كيلك والأبيض وقردود ام رضمي وود دكونة والكويك وغيرها.. وتصدت القوات المسلحة والشرطة والقوات النظامية والمتطوعون من أبناء المناطق المتأثرة.. من جديد شرقا ومرورا بكالوقي..( بت الكلب بقارة وبت الكلب كواهلة) وقد سميت هكذا لوعورة مسالكها.. والليري وتلودي وام دورين وريفي البرام مما اجبر قوات يوسف كوة للانسحاب جنوبا.. وبقاء مجموعات استعصمت بقمم جبال اشرون ومناطق جنوب البرام وطروجي تسند ظهرها علي قوات الجيش الشعبي في ولاية الوحدة المجاورة.. (عاصمتها بانتيو)..
أستلمت رسميا مهام حاكم كردفان الكبرى في يوم 10 أغسطس 1988م..أقف عند هذا التاريخ لأن نقل الحرب الي جنوب كردفان تم في فترة الحكومة الانتقالية عام 1985م..
كانت الاحوال الأمنية في قد شهدت هدوءا وتحسنا ملحوظا.. فقد تعالت الأصوات المنادية بحل القضية السودانية برمتها عبر التفاوض وليس السلاح.. فقابل رئيس الوزراء وقتها السيد الصادق المهدي د. جون قرنق قائد الجيش لساعات بصفته رئيس حزب الأمة بناء على اصرار د. قرنق بان يقابله بصفته الشخصية و الحزبية لا الرسمية.. أملا في احداث اختراق لمصلحة السلام.. ونشط آخرون في المسعى نفسه.. لقاءات كوكا دام ومساعي د. تيسير محمد أحمد وندوة امبو.. ولقاء الميرغني قرنق.. ولكن التدافع بين حزبنة السلام.. وحزبنة الإسلام.. ومحاولات اليسار احتواء الحركة واعتبارها كرت ضغط لصالحهم ابطأت بالجهود الساعية لتحقيق حل تفاوضي يقود الي الوحدة الطوعية المنشودة والسلام الشامل المستدام في وطن حر ديموقراطي يسع الجميع..
في أواخر مارس 1989م.. وكنت لحظتها في زيارة لمنطقة.. (الزريقة القيزان) بشمال كردفان علمت ان حملة عسكرية كبيرة بقيادة القائد عبدالعزيز آدم الحلو قد زحفت من جنوب بحيرة الأبيض عبر جبال (الكُتّن) لاحتلال كادقلي.. وكان هذا يمثل تحولا في الحرب.. عدت على جناح السرعة الي الأبيض وعقدنا اجتماعا عاجلا للجنة أمن الإقليم.. واعضاؤها الي جانب الحاكم قائد الفرقة الثانية اللواء الركن تاج السر عثمان عبدالله الشهير بالسر عسكرية لانضباطه الشديد ومقررها قائد شرطة الإقليم اللواء شرطة الصادق مجذوب طلحة.. بالإضافة الي رئيس جهاز أمن الإقليم والسجون والنائب العام الاقليمي.. كان قائد الفرقة ينتظر تعليمات من القيادة العامة.. إذ أن قانون الحكم الإقليمي لا يعطي حكام الاقاليم صلاحيات في التعامل مع القوات المسلحة الا عبر قائد الفرقة.. فالحاكم. هو قائد قوات الشرطة وقوات السجون وحرس الصيد و المطافي وكانت كلها ما عدا الشرطة قوات قليلة العدد ضعيفة التدريب و التسليح.. وصلت إلى كادقلي مسرح العمليات المحتمل في نفس اليوم.. وكان القلق سيد الموقف اذ كان دوى المدافع ولعلعة الرصاص تسمع بوضوح مع توافد مجموعات كبيرة من المواطنين الي كادقلي من مناطق الصراع طلبا للنجاة وهم ينقلون صورا مرعوبة من أرض المعركة فتزيد الناس هلعا على هلع.. ثم جيئ بالجرحي والقتلي فساد الهرج والمرج مستشفى كادقلي وما حولها.. كانت الروح المعنوية متدنية.. كان لزاما على العمل العاجل لاعادة الطمأنينة الي نفوس الناس.. عقدنا اجتماعا عاجلا مشتركا في قيادة اللواء بكادقلي بين لجنة أمن مديرية جنوب كردفان وقائد وبعض ضباط اللواء.. كان محافظ
المديرية وقتها اداريا حازما ومميزا يتمتع بالثبات ورباطة الجاش والرأي السديد هو الأستاذ علي جماع عبدالله وقائد اللواء العقيد الركن حامد ابراهيم.. وحضر اللقاء العميد الركن عاصم يحي عمران والذي كان في مهمة عسكرية خاصة كما حضره الحبيب صلاح جلال والذي كان يلازمني في تلك اللحظات الحاسمة وهو اديب كاتب يمكن ان يكتب عن تلك الايام.. كان الاجتماع هاما ومصيريا.. إذ وقفنا بعد دراسة مستفيضة وتقييم دقيق للموقف على خيارين لا ثالث لهما وهما.. إخلاء المدينة بالانسحاب منها كما يطالب راديو الحركة وذلك لاستحالة الدفاع عنها ضد الهجوم الكاسح مع ضعف القوة المدافعة عددا وعتادا.. والخيار الثاني هو الاستماتة في الدفاع عنها والكائن يكون..
كان موقفا صعبا.. وخيارا اكثر صعوبة وبعد التشاور مع المحافظ وقائد اللواء والقادة العسكريين و السياسيين من أحزاب الائتلاف الحاكم.. قررت وانا اعلم خطورة القرار وعقباته وعواقبه.. واضعا أمام ناظري موقف الخليفة عبدالله في ام دبيكرات في اواخر عام 1899م ومن قبله موقف المقدوم مسلم آخر سلاطين مملكة المسبعات في بارا عام 1822م إذ فرش كلاهما فروته وفضل الموت على الفرار او الأسر فعلي سنتهم نمضي وفي اذني ترن كلمات والدي عليه الرحمة.. وهو يقول لي.. ( الموت يومه واحد ما تجيني بالني) والأمر كله لله من قبل ومن بعد.. فاذن القرار كان الدفاع عن المدينة حتى النصر او الموت.. كان اخي المحافظ علي جماع عبدالله يوافقني الرأي و يشجعني علي المضي قدما..
استخرت الله وتوكلت عليه.. وأعلنت فجر اليوم التالي النفير العام.. ودعوت عبر مكبرات الصوت.. كل من له خبرة اومعرفة باستخدام السلاح الناري ان يقدم نفسه متطوعا للدفاع عن المدينة.. كان النداء عاما وعلنيا للناس كافة وتمت اذاعته عبر إذاعة إقليم كردفان من كادقلي التي حولناها الي عاصمة مؤقتة للاقليم.. كان رد الفعل كبيرا و مدهشا إذ زحف المواطنون رجالا ونساء نحو القيادة في كادقلي.. والتي اوكلنا لها امر تنظيم المتطوعين ليكونوا سندا للقوات المسلحة تحت امرتها اداريا وقتاليا وتدريبا وتسليحا.. باشرافها على ان تنتهي مهمة النفير العام والتطوع بانتهاء المهمة.. كل هذا معجم مسطور في وثائق الدولة ومستنداتها الرسمية .. وقدمت نفسي كأحد المتطوعين باعتباري احد بقايا (كتلة) 2 يوليو 1976م.. وان لم احمل سلاحا..
قررت قيادة الفرقة الثانية في الأبيض تحويل مسار كتيبة البركان التي كانت معدة لتحرير بعض الجيوب في جنوب ريفي البرام الي مواجهة القوات الغازية علي تخوم مدينة كادقلي من الجنوب بينما سارت قوات كادقلي ومعها الوف المتطوعين من الشمال فوقعت القوات المهاجمة في كمين محكم وهم غافلون.. اذ كانوا يتفاوضون معي عبر التلغراف و إذاعة الحركة الشعبية على شروط الاستسلام واخلاء المدينة حتى اتاهم امر الله وهم نائمون.. حيث كانت الواقعة الفيصل الفاصلة في فيض الجراد بالقرب من الحمرة والاحيمر جنوب كادقلي.. كانت قوات البركان البطلة بقيادة الثنائي الخطير.. بقيادة العقيد الركن حمد عبدالكريم والذي استشهد لاحقا بلغم انفجر في مركبته عليه الرحمة ورئيس هيئة اركان حربه المقدم وقتها.. الفريق حاليا احمد خميس بخيت.. الوالي السابق لولايتي غرب كردفان والنيل الأبيض.. وكلاهما من أبناء النوبة.. لقد كانت هزيمة القوات الغازية ساحقة ماحقة واوجز السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء في رسالة لي وصفها بأنها جرعة حلوة بعد شراب مر.. كانت تلك المعركة بداية لتنظيم المتطوعين لاسناد ظهر الجيش.. فهم قوات النفير العام اوالدفاع الشعبي ايا كان المسمي.. فيما بعد وكان أشهر القادة وقتها.. أحمد العقيد وعبد الله العفين وأحمد الكلس ومحمود شميلة علي الجلة.. ومتطوعو منطقة الحمرة التي وقعت بالقرب منها معركة فيض الجراد.. وغيرهم من الرجال الذين صدقوا العهد اوفوا بالعهد لم يريدوا جزاء ولا شكورا.. ونساء كادقلي الماجدات اللاتي اقمن التايات لصنع الطعام وتقديم الاكل والشرب أمام خيام المتطوعين بلا من او أذى وهن يرددن الاهازيج والزغاريد.. دون مقابل مادي جهدا في سبيل الله والوطن.. لقد اكرمني الله ان اخرج من كادقلي سالماً وهي أمنه من خوف وقد البسها الله ثوب العافية.. وكنت أرجح وفق المعطيات التي كانت امامي ان أقيم فيها ما اقام كلمو وتافيرا او حجر المك.. ولكن الله غالب.. فان كان يتهمني البعض شخصيا بتسليح القبائل في هذه الواقعة فربما اختلط عليه الأمر فدمغني من هول الهزيمة الساحقة المفاجئة بما انا برئي منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب باني وراء تسليح القبائل!!
وكنت من المنادين باجازة قانون الدفاع الشعبي كقوات نفرة واحتياط من كل القبائل لمساعدة القوات المسلحة نسبة لاتساع مسرح العمليات وتنوعه..
وقد اجبت على الاتهامات الجزافية في ندوة في القاهرة إقامتها منظمة حقوق السودانية بالقاهرة تحت عنوان.. جبال النوبة بين التطهير العرقي وافاق السلام.. شهدت حضورا كبيرا ونقاشا واسعا وقد دونت تلك المحاضرة في كتاب صدر عام 2001م تحت نفس عنوان الندوة وقد نفدت طبعته بسرعة.. كانت كلها اتهامات سياسية ليست إلا كما قال صديقي الراحل القائد يوسف كوة مكي في كمبالا عقب مؤتمر مستقبل مناطق التماس أثناء الفترة الانتقالية 1998م.. و وهو ما سنعود له ان شاء الله قريباً..
عبدالرسول النور إسماعيل

شارك:

منشور له صلة

الاسبوع السياسي التعبوي

الاسبوع السياسي التعبوي

حزب الامة القومي ولاية جنوب دارفور الاسبوع السياسي التعبوي الله أكبر ولله الحمد انطلق ظهر اليوم السبت الاسبوع السياسي التعبوي لحزب الامة القومي...

قراءة المزيد