ورقة الإمام الصادق المهدي في ورشة عمل آثار الأوضاع بجنوب السودان بعنوان: ورقة: العلاقة بين السودان ودولة الجنوب من الابارتايد إلى الوحدة إلى الانفصال إلى التوأمة

11 أبريل، 2017

ورقة الإمام الصادق المهدي في ورشة عمل آثار الأوضاع بجنوب السودان بعنوان: ورقة: العلاقة بين السودان ودولة الجنوب من الابارتايد إلى الوحدة إلى الانفصال إلى التوأمة

11 أبريل، 2017

ورشة عمل آثار الأوضاع بجنوب السودان
تحت عنوان: الخيارات الإستراتيجية والآفاق المستقبلية
10 أبريل 2017م- دار الأمة بأم درمان

ورقة: العلاقة بين السودان ودولة الجنوب من الابارتايد إلى الوحدة إلى الانفصال إلى التوأمة

الإمام الصادق المهدي

مقدمة:
السودان الحديث ينسل من كيانات سياسية أهمها في الشمال: الفونج، الفور، تقلي، المسبعات، الكنوز وسلطنات جنوبية أهمها مملكتي الزاندي والشولو (الشلك).
هذه الكيانات وحدها الاحتلال العثماني وحررتها الدولة المهدية وحافظت على وحدتها ثم أحاط بها الاحتلال البريطاني.
قبل سلطنة الفونج حكم السودان الشمالي دويلات مسيحية قاومت الفتح الإسلامي ودخلت معه في تعايش سلمي بموجب اتفاقية البقط.
وعبر مئات السنين تمدد الإسلام سلمياً حتى عم كل إقليم السودان باستثناء الجنوب كما تتالت الهجرات العربية حتى صار السكان يتحدثون العربية لغة أم أو لغة مخاطبة.
هذه الهوية الإسلامية العربية عززتها الدولة المهدية. والاحتلال البريطاني اعتبرها واقعاً معترفاً به. ولكنه إذ أدرك غيابها في المناطق الجنوبية كرس ذلك الغياب بسياسات فصل عنصري قننها وطبقها بحزم عن طريق سياسة الجنوب.
1. الاحتلال البريطاني عزم أن يساوم الحكومة المصرية بتبعية السودان مقابل قناة السويس. هذا إلى جانب إعطاء الجنوب مصيراً آخر.
الحركة الوطنية السودانية هي التي أجبرت البريطانيين على مراجعة تلك السياسات فتخلى عن بروتوكول صدقي بيفن في 1946م وتخلى عن فصل الجنوب في مؤتمر جوبا 1947م.
كانت الحركة السياسية الجنوبية ضعيفة لذلك دعمت الوحدة مع الشمال مقابل وعد لمراعاة مطالبهم الخاصة في مؤتمر جوبا. ودعمت استقلال السودان ليعلن من داخل البرلمان مقابل وعد بالنظام الفدرالي في الدستور.
منذ مؤتمر الخريجين العام ثم الأحزاب السياسية الوطنية فإن الحركة السياسية الشمالية قصرت في إدراك استحقاقات إدارة التنوع، ولكن أسوأ عيب كان هو استعانة رئيس الوزراء المنتخب بقيادة القوات المسلحة السودانية في نوفمبر 1958م لحسم خلافات بين الأحزاب الأجدى أن تحسم ديمقراطياً.
2. انقلاب نوفمبر 1958م عطل العملية السياسية ولكنه بالنسبة للجنوبيين فوت فرصة الوعد بالفدرالية في الدستور المنشود، وجرد القوى السياسية الجنوبية من وجود كفله لها النظام الديمقراطي ما أدى لمولد حركة سانو ثم حركة أنيانيا المسلحة.
النظام الأوتوقراطي الأول (1958- 1964م) جرد القوى السياسية الجنوبية من منابر تعبير سياسي شرعية، وطبق سياسات أسلمة وتعريب تنفيذية وإدارية، واشتبك مع المؤسسات الكنسية.
3. ثورة أكتوبر في 1964م استردت الديمقراطية وتوجهت نحو حل سياسي للمسألة الجنوبية. هذا النهج بدأ بمؤتمر المائدة المستديرة، ثم لجنة الإثنى عشر، ثم مؤتمر كل الأحزاب، وأثمر مشروعاً لحل المشكلة في إطار الاعتراف بالتنوع وإقامة الحكم الذاتي الإقليمي.. هذا البرنامج طبقه نظام 25 مايو 1969م الانقلابي، لا سيما بعدما تعرض له النظام من شرخ في مكوناته السياسية. ولكن نفس النظام الذي حقق اتفاق أديس أبابا في 1972م -ما أدى لسلام عاش 10 سنوات- ولأسباب متعلقة بطبيعة النظام الأوتوقراطي، أقدم على خرق الاتفاقية، ثم ولأسباب متعلقة بتصاعد المعارضة ضده أقدم على ما سماه الثورة التشريعية وتبني الشعار الطوباوي الذي تردده الحركات الإسلاموية.
التمرد الجنوبي تجدد على يد حركة أنانيا الثانية ثم الحركة الشعبية لتحرير السودان في مايو 1983م. تمرد زاده تطبيق الشعارات الاسلاموية (سبتمبر 1983م) دعماً وتعاطفاً كنسياً ودولياً هائلاً. كما أن دخول النظام السوداني طرفاً في الحرب الباردة أتاح للحركة الشعبية دعماً غير محدود من حلف عدن.. اعتماد الحركة الشعبية لتحرير السودان لحدٍ كبير على أثيوبيا منقستو ساهم في ترسيخ تطلعها لسودان موحد جديد.
4. الديمقراطية الثانية (1965- 1969م) نقلت برنامج معالجة مسألة الجنوب إلى تصور متقدم تبناه النظام الأوتوقراطي الثاني (1969- 1985م) وبموجبه أبرم اتفاقية 1972م ولكنه خرق اتفاقه ثم جاء بالنهج الأخرق الأكبر فيما سما الثورة التشريعية.
العهد الديمقراطي الثالث (1986- 1989م) انطلق من إعلان كوكادام مارس 1986م، واتفاق الميرغني/ قرنق نوفمبر 1988م، الاتفاق الذي بعد تلكؤ -بسبب ملابسات عديدة فصلتها في كتابي (الديمقراطية في السودان راجحة وعائدة، وميزان المصير الوطني في السودان)- أيدته كل القوى السياسية في ديسمبر 1988م، وبموجب تطورات إيجابية وضعت خريطة طريق لمؤتمر قومي دستوري يعقد في 18/9/1989م، مؤتمر يتبنى كل إيجابيات الحوار بين القوى السياسية ويحقق الديمقراطية واستحقاقات التوازن. ولكن قبل موعد ذلك المؤتمر صعقت البلاد بانقلاب يونيو 1989م الذي أرجع البلاد إلى هوية حزبية ذات شعارات إسلاموية عروبية استبدلت ما صار يتطلع إليه الجنوبيون من حقوق مواطنة متساوية وحقوق حرية دينية إلى نظام يضعهم في موقع مواطنين من الدرجة الثانية.
منذئذٍ بدأ العد التنازلي نحو إجماع القوى السياسية الجنوبية دون استثناء على مطلب تقرير المصير (1993م). إلى اتفاقية يناير 2005م إلى ما يشبه الإجماع في استفتاء تقرير المصير على الانفصال في يناير 2011م.
5. النظام الذي أقامه انقلاب يونيو 1989م عبر سنواته الطويلة فقد وحدة صفه، ثم فقد هويته الأيديولوجية، وفقد جدواه، ولكن لأنه تراجع بصورة غير منهجية فإن تراجعاته لم تحقق الشرعية المغايرة المطلوبة. وفي آخر تجليات مواقفه المتقلبة لا سيما بعد نهاية حوار العاشر من أكتوبر 2016م فإنه يقف في محطة متخلية تماماً عن سالف منطلقاته.
القضية ليست التخلي عن الإسلام، فالإسلام محمول وجداني وثقافي واجتماعي وتشريعي إغفاله مستحيل، ولكن المطلوب هو التخلي عن نهج المباغتة، والقهر، والتعذيب، والتمكين، والانفراد، والفساد وغيرها من التعديات التي تناقض مبادئ الإسلام وتناقض روح العصر.
وفي المقابل فإن الرأي الآخر الرافض لشرعية المباغتة والإكراه يحظى بصدقية فكرية، وسياسية، وشرعية شعبية ودولية.
تخلي النظام عن سالف أيديولوجيته ونهجه، واستعداد قوى الرأي الآخر أن تعمل من أجل الوصول لشرعية قومية بديلة، يفتح المجال لفرصة تاريخية للسودان لمراجعة المسيرة في كل جوانبها بما في ذلك إزالة العوامل الطاردة التي جعلت الجنوبيين يجمعون لأول مرة على المطالبة بتقرير المصير، ثم الإجماع عبر الاستفتاء على الانفصال، وهي نفس العوامل التي أشعلت جبهات احتراب أخرى في البلاد.
6. دولة جنوب السودان في خمس سنوات من انفصالها منيت بإخفاق لا مثيل له: فمنذ ديسمبر 2013م اشتبك ولاة الأمر في احتراب قبلي استعصى على الجميع احتواؤه.
عبارات وقف إطلاق النار، والعفو، وغيرها، لا معنى لها إلا إذا وجدت بنية تحتية تلتزم بها، أما إذا غابت فسوف تبقى إعلانات فوقية. آخر إعلان لوقف إطلاق النار انهار في يوليو الماضي، والحرب التي تركزت في مناطق شمالية من الجنوب انتقلت إلى الاستوائية.
ولم تستطيع الحكومة تنويع مصادر الإنتاج اعتماداً على النفط الذي هبط الإنتاج فيه إلى 120 ألف برميل شهرياً، كما هبط السعر من 100 دولار إلى النصف. واتسع عجز الميزانيات الداخلية والخارجية، ودرجت الحكومة على طبع النقود ما جعل التضخم 50% في الشهر الواحد، وصار الدولار الواحد يساوي 120 جنيه ما جعل الرواتب بلا قيمة.
والاحتراب أوقف الأنشطة الإنتاجية، وغياب العملة الصعبة حال دون الاستيراد ما جعل الحكومة تعلن المجاعة في مناطق كثيرة.
وفراراً من العنف ومن الجوع لجأ المواطنون بمئات الآلاف لدول الجوار لا سيما السودان ويوغندا.
هذه الحقائق أكدت ما كان معروفاً قبل انفصال الجنوب ولكن حجبه الموقف المضاد للشمال.
ففي دراسة أجراها جوك دوت جوك من جامعة لويولا، وشارون هتشنسون من جامعة ويسكونسن بالولايات المتحدة في عام 1999م، قالا: “عدد الذين لقوا حتفهم بسبب الاقتتال الجنوبي الجنوبي يزيد عن عدد قتلى النزاع الشمالي الجنوبي. في الفترة 1983-1999م”. حقيقة أيدها مركز واشنطن لأفريقيا وهو مركز ترعاه الكنيسة.
وفي دراسة حقلية أخرى نشرت عام 2010م قام بها أستاذان هما ماريك شوميروس، وتيم ألن، من جامعة لندن، بالتعاون مع ستة خبراء، ومركز دراسات السلام والتنمية بجامعة جوبا؛ وهي دراسة استمدت من 356 مرجعاً، وأجرت قياس رأي لـ 319 شخصاً، وصلت للنتيجة الآتية: أن الجنوب يعاني في ظل اتفاقية السلام من اضطراب أمني كبير سببه التظلم من توزيع الثروة والسلطة، وإهمال التسريح، ونزع السلاح، وغياب ترسيم الحدود في كل مستويات الوحدات الإدارية وحدود القبائل. وذكرا عوامل أخرى تؤكد وجود عوامل بنيوية للاحتراب. وقدمت الدراسة دلائل على أن تجربة العشر سنوات بموجب اتفاقية أديس أبابا 1972م أكدت عجز الساسة الجنوبيين أن يضعوا مصلحة الإقليم فوق مصالحهم الذاتية. والتجربة منيت بهيمنة قبيلة على الأخريات. والدراسة أكدت أن نفس العيوب التي ظهرت في فترة اتفاقية أديس أبابا ظهرت أثناء فترة اتفاقية السلام الشامل 2005-2011م.
عيوب التجربتين هي نفسها بصورة مكبرة ظهرت في فترة حكم الانفصال (2011-2016م).
هذا معناه أن هذا الفشل ليس مفاجئاً بل كان متوقعاً.
7. شعارات الحركة الشعبية لتحرير السودان تلخصت في التطلع لسودان جديد يحجم دور “الأقلية” العربية، ويحقق تفوق الأغلبية الأفريقانية. هذا التوجه صعد استقطاباً اثنياً في البلاد، وواجهه النظام الحاكم في السودان بالتركيز على الاستقطاب الإثني هذا، ما جعل الحرب الأهلية حتى إذا اختفت مراكزها السياسية تسكن في مراكز قبلية.
المطلوب الآن بإلحاح هو الاعتراف بأن شعار السودان الجديد بشكله التقليدي لم يحقق مقاصده، وأن المسار الثاني وهو دولة الجنوب المستقلة كذلك لم يحقق مقاصده بل صنع دولة فاشلة. هذا يتطلب أن تلتقي كل القوى السياسية والقيادات القبلية والعسكرية الجنوبية تحت رعاية دولية للاتفاق على عقد اجتماعي جديد، تتكون جماعة دولية برعاية الأمم المتحدة لتقديم العون الفني والمالي لتنفيذ هذا العقد الاجتماعي.
هذا العقد ينبغي أن يتجاوز مرارات الماضي في النص على خصوصية العلاقة بين دولة الجنوب والسودان لوجود عوامل موضوعية تتطلب هذه الخصوصية.
تجسيداً لهذه الخصوصية اقترحنا في 6/1/2011م معاهدة توأمة بين الدولتين.. يرجى إحياء فكرة التوأمة هذه ومراجعتها لاستيعاب المستجدات.
ينبغي أن يصحب اللقاء القومي الجنوبي مؤتمر لجيران الجنوب للاتفاق على دعم التوافق الجنوبي: عدم التدخل في شؤون بلادهم الداخلية، ومساعدتهم لتحقيق قراراتهم القومية.
إن التقاعس عن تحقيق هذا الوفاق القومي في الجنوب، وعدم التزام كافة جيرانه ببرنامج أمني محدد، سوف يؤدي حتماً لزيادة في حدة الاحتراب الأهلي، وزيادة في تدخلات دول الجوار، ما ينذر باتساع الحرب الأهلية وفتح المجال لتدخلات خارجية تنذر بإشعال حرب إقليمية.
8. للأسباب الخمسة عشر التي ذكرتها في افتتاحية هذه الورشة، فإن استقرار وسلام الجنوب مهم للمصير الوطني في السودان.
هذه رؤية يرجى أن نبشر بها على الصعيد الشعبي وأن نتخذ على الصعيد الشعبي برنامج هجمة لكسب العقول والقلوب نحو شعب دولة جنوب السودان.
لقد تنادت جهات عديدة في السودان لإنقاذ مواطني الجنوب من خطر المجاعة الداهم الآن. من بين هذه الحملة الودية نقترح أن تقوم جهة رسمية أو مدنية معتمدة بشراء مليون طن من الذرة بسعر مجزٍ للمزارعين، ويتوقع أن تمول جهات إغاثة إنسانية هذا الشراء. هذا الإجراء يساهم في احتواء المجاعة في الجنوب، وينقذ الموسم الزراعي القادم في السودان لأن هبوط أسعار الذرة حالياً يهدد الموسم الزراعي القادم.

شارك:

منشور له صلة

الاسبوع السياسي التعبوي

الاسبوع السياسي التعبوي

حزب الامة القومي ولاية جنوب دارفور الاسبوع السياسي التعبوي الله أكبر ولله الحمد انطلق ظهر اليوم السبت الاسبوع السياسي التعبوي لحزب الامة القومي...

قراءة المزيد