خطبة الزواج في زواج الحبيبين بشرى وحنين بقلم/ الإمام الصادق المهدي

14 ديسمبر، 2017

خطبة الزواج في زواج الحبيبين بشرى وحنين بقلم/ الإمام الصادق المهدي

14 ديسمبر، 2017

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد-

أخواني وأخواتي. أبنائي وبناتي مع حفظ الألقاب والمقامات:

السلام عليكم ورحمة الله
خطبة الزواج سنة، ولكن ككل تكاليف الإسلام ينبغي مراعاة الاجتهاد في بيان الواجب والإحاطة بالواقع والتزاوج بينهما. في أمر الزواج قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). ستكون هذه الخطبة آية في التفكر، وتثير ما يثير كل تجديد (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا).
أولاً : أقول: الإٍسلام آخر رسالات الوحي، ولكي تكون هادية مستمرة للإنسانية في كل زمان ومكان فالرسالة فتحت أبواباً واسعة للاجتهاد في الواجب والإحاطة بالواقع لكي تتجدد.
هنالك خمسة عوامل تسمح بذلك هي:
نعم القرآن كتاب الله المنزل (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ)، والطبيعة هي كتاب الله المنثور (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ). إذن سنن الكون الطبيعية، والنفسية، والاجتماعية من آيات الله. الكتاب المنزل معه إمكانية غير نصية (أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) ما مكن من استنباط مقاصد كمقولة ابن تيمية: “إينما كان العدل فهو شرع الله ودينه”.
مع النص توجد الحكمة غير النصية (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ).
وفهم هداية القرآن يتطلب التدبر (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).
ويتطلب فهم هداية القرآن اعتبار أم الكتاب، أي مقاصد الكتاب.
هذه العوامل الخمسة تجعل أصحابها من الذين (إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا).
المصدر الثاني للدعوة الإسلامية السنة النبوية. ولأنها ظنية الورود في الغالب فتحت الباب للكثير من الأخطاء، لذلك الواجب مراعاة الأسس الستة الآتية في أمرها:
ألا تتناقض مع النصوص القطعية في القرآن في المسائل الغيبية.
ألا تتناقض مع العقل في عالم الشهادة.
ألا تتعارض مع الواقع الثابت.
ألا تتناقض مع مقاصد الشريعة.
أن يميز النص القديم من النص المتأخر عنه في الزمان.
أن تحظى برواية متواترة.
ثانياً: بالفهم الاجتهادي هذا للنصوص اجتهاداً، ومراعاة الواقع إحاطة، أتطرق لأربعة عشر مسألة سيقت لتكريس دونية المرأة والحط من مكانتها الإيمانية والإنسانية، وأقول:
لا ليست المرأة ناقصة عقل ودين. ما هكذا ورد في القرآن وما هكذا ورد في القدوة المحمدية.
لا ليس صحيحاً “ما أفلح قوم ولوا أمرهم أمرأة” والنص مشكوك في راويه ومتناقض مع الواقع.
نصف الشهادة مرتبط بمسائل مالية لم تمارسها المرأة عادة فإن ذهبت العلة تساوت الشهادة.
في كتابه عن امتياز المرأة في بعض أحكام الميراث والنفقة أوضح د. صلاح الدين سلطان وجود حالات يتساوى فيها الاثنان وحالات تمتاز استحقاقات المرأة. فالمسألة ليست متعلقة بالذكورة والأنوثة بل بواجبات الوارثين.
حق الزوج بأربعة ليس مطلقاً وشرطه العدل المستحيل بنص القرآن. وللمرأة أن تشترط في عقد الزواج عدم الزواج عليها. وعلى أية حال يجب أن يكون إن لزم بعلمها.
التعسف في استخدام الحق يوجب قيده. للمرأة أن تطلب أن تكون العصمة مشتركة: أن تطلق أو أن تطلق.
والطلاق كالزواج، ومن الأحكام ما يمنع الاستهتار به كما يحدث الآن: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِۚ). أما أنواع الطلاق الممارسة حالياً فكثير منها باطل.
والضرب صار يمارس بتعسف شديد إذ أكثر من 70% من النساء يضربن بحجة (وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ). النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب أمرأة حتى إن اختلفن معه. ووسيلة التعامل مع الاختلاف المعتمدة قرآنياً هي التحكيم. وهو الملائم لمقاصد الزواج القائمة على المودة والرحمة.
القوامة لا تعني التسيد المطلق بل قال الماوردي معناها قيام الرجال بحقوق النساء عند الزواج ولا تعني وصاية عامة. (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ) الدرجة واجب على الرجال للتوسعة على النساء في المال وحسن المعاشرة لأن للرجل بسطة في الجسم والمرأة تمر حتماً بظروف تضعفها: الحيض، والحمل، والنفاس، والرضاعة.ولهذه التضحيات ميزت مكانة المرأة إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الجنة تحت أقدام الامهات”. وقال لمن سأل: “من أولى الناس ببري”: أمك كررها ثلاث مرات ثم أبوك. ويروون مقولة “لولا حواء لما خانت امرأة زوجها”. هذه مفاهيم توارث الخطئية الغريبة على الإسلام. ومن الإسرائيليات أن المرأة معاقبة بالحيض على إخراج آدم من الجنة. النص القرآني على هذا الحدث (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) ونص آخر: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ). ومقولة “المرأة كلها عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان”. وعيد الشيطان ليس خاصاً بالمرأة بل: (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) أي ذرية آدم كلها. ولمتعة الرجل أباحوا زواج الطفلات بفهم بيدوفيلي للجنس واستشهدوا بزواج السيدة عائشة (رض) وقد كان وهي في الثامنة عشر من عمرها.
ولمتعة الرجل حرمت النساء من المتعة المشروعة بالختان بوهم أن هذا الضيق أمتع للرجل.
العدة لإستبراء الرحم وليست حبساً للمرأة كما في السودان.
تأسيساً على هذه الدونية فرضت وصاية ذكورية مطلقة على المرأة حتى حرمت من التصرف في نفسها خضوعاً لولي يباح له أن يزوجها بعبارة مجبرتي. ههنا مرافعة مشروعة هدفها أن المرأة من الناحية الإنسانية هي النصف الآخر من الإنسان: (بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ). إنها مؤنث الإنسان مثلما هو مذكر الإنسان. ومن الناحية الإيمانية (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ ). لذلك ينبغي أن تكون المرأة راشدة لتدخل في عقد الزواج وحرة.
فإن أي عقد يفترض حرية صاحبه. وكنت أفضل لولا سلطان التقاليد أن يتفق الزوجان أمامنا ونشهد ونشاهد. هذه حقوق أحرصن عليها يا بناتي وأخواتي وسأتحدث في مناسبة أخرى عن الواجبات ولكن ههنا اكتفي بتوجيه تجنبن السمنة فإنها مرض وتجنبن مبيضات الجلد فهي ممرضة.المسلمون يعيشون انفتاحاً لعالم تسيطر عليه منظومة حقوق الإنسان وإزالة التمييز ضد المرأة. كذلك يعيش ثلث المسلمين مجموعات في بلدان أغلبها من غير المسلمين، والواقع يؤكد أن المسلمين يتجهون لمزيد من الهجرة من بلدانهم لا إليها. ولأسباب تكاثرت ظاهرتا الإلحاد والردة. أحكام دونية المرأة من أسباب فتنة المسلمات لترك أحكام تمتهن كرامتهن. هذا باب فتنة ينبغي قفله لا سيما ونصوص إٍسلامية تسمح بذلك بل توجبه على نحو مقولة ابن القيم: “تتغير الفتيا بتغيير المكان والزمان والحال”.
ثالثاً : إن للرجل والمرأة حقوقاً إنسانية أوجبها الوحي واهتدت إليها التجربة الإنسانية. الحقوق التي تميز الإنسان من سائر المخلوقات خمسة: الكرامة، والعدل، والحرية، والمساواة، والسلام، وهي حقوق نصت عليها حقائق الوحي كما أوضحت في كتابي “الإنسان بنيان الله” ووثقت في كتابي “العقوبات الإسلامية والنظام الاجتماعي الإسلامي” أن أية ادعاءات بنهج إسلامي ما لم يكفل تلك الحقوق يجعله مؤسسة عقابية فحسب.
ثوابت الإسلام في الشعائر معلومة كالتوحيد، والنبوة، والمعاد، والأركان الخمسة. ولكن هنالك جانب المعاملات والعادات في المجالات الاجتماعية.
تصدى عالمان في جامعة جورج واشنطن وهما شهرزاد رحمان وحسين عكسري ووضعا 113 مقياس للأسلمة مثل مدى المشاركة ؤؤفي الشأن العام، ومدى تحقيق التنمية، ومدى تحقيق العدالة الاجتماعية، ومدى توفير الرعاية الاجتماعية.. مقاييس استنبطوها من النصوص القطعية الإٍسلامية وعلى اساسها نحتا عبارة Islamic Index ثم طبقا هذه المقاييس على 208 من البلدان في العالم لتحديد مدى تحقيقها للأسلمة في هذه المجالات المختارة. وبعد ذلك نشرا النتيجة. المدهش أنهما وجدا أن الدول التي تحقق أعلى درجات الأسلمة هي دول أوربية وأغلبية البلدان ذات الأغلبية المسلمة في مرحلة متدنية أولها ماليزيا ترتيبها رقم 30. والنتجية أنه بمقاييس سياسية، اقتصادية، واجتماعية فالبلاد المسلمة غير إسلامية. وأخرى غير مسلمة العقيدة بموجب المقاييس المختارة إسلامية.
هذا مدهش ويعززه حديث رواه مسلم رقم (2898) ينبيء بأنه في مقبل الأيام الروم أكثر الخلق وهي بنص الحديث أكثرية معنوية مرتبطة بالحلم عند المصيبة، وبالرعاية الاجتماعية، وبأمنهم من ظلم الملوك.
رابعاً: ماهية فقه الزواج تبدأ بأن التعارف بين الرجال والنساء كمكونين للمجتمع ضروري والفصل بينهما ضد الفطرة وضد التعارف (انَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ ).
الخطوة الثانية هي: “الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ” بنص حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم المحبة ليست علاقة عبثية كما قد يتوهم بعض الناس وكما قد يتلاعب بها بعض الشباب، إنها ركن العلاقة بالله (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ) وركن العلاقة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وركن العلاقة بين المؤمنين في توادهم وتعاونهم “كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً”.
وهي كذلك ركن العلاقة بين الرجل والمرأة قال المصطفى فيما روى ابن ماجه: “لم نرَ للمتحابَّيْن مثل النكاح”.إن مقاصد الزواج للتوالد كما هو عام في كل المخلوقات ولكن الزواج البشري توالد وزيادة (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)، أن تظللهما المودة والرحمة، وأن يدخل الاثنان في هذه العلاقة اختيارياً، بالتساوي في الحقوق والواجبات ويفضل أن يكونا أغارب لا أقارب، وأن يلتزما عدم التفرقة بين المواليد ذكوراً وإناثاً، وتجنب العنف، وأن يختارا الأسماء الفاضلة فلا تسمى الذكور بأسماء الكواسر ولا تسمى الإناث بنداءات التحرش فإن لكل نصيب من اسمه فعلينا أن نختار النصيب الأفضل.
خامساً: الأسرة السودانية اليوم تعاني من سلبيات تكاد تعصف بها. فنسبة الزواج في تدن، ونسبة الطلاق في ارتفاع، والمجتمع يفرض تكاليف اجتماعية تجعل الزواج فوق متناول الشباب، لا سيما وأغلبيتهم عطالى والحد الأدنى للأجور لا يتجاوز تغطية 7% من المصاريف الضرورية. وكثير من شبابنا مستعد أن يخاطر بحياته ليهاجر إلى الخارج.
مسألة الصرف في مناسبات الزواج صارت خطراً على المجتمع، وتقاليد المجتمع تهزم كل محاولات الزواج الميسر. ينبغي أن نقرر صفة الزواج الميسر وأن نجعل هذا الأمر قضية قومية اجتماعية أولى لأن التعامل معها في نطاق أسرة واحدة أو حتى جماعة واحدة صار مستحيلاً أمام طغيان تقاليد المجتمع.
سادساً: نجتمع لعقد قران بشرى وحنين. بشرى شاب نقي تقي ومهنياً جندي وأنا من أكثر الناس إعجاباً بالجندية في إطارها المهني، ولكنها عندما تتجاوز هذا الإطار تفسد الجندية وتفسد السياسة. الجندية تقوم على الانضباط والسياسة تقوم على جدلية الرأي والرأي الآخر. في الجندية نفسها مكونان هما: الطاعة والإقدام. عندما كتب جاكسون عن الجندي السوداني مدح بعض القبائل بالإقدام وقبائل أخرى بالانضباط، بشرى جندي يجمع بين الخصلتين. وقاده طموحه لتأهيل أكاديمي في جامعة النيلين. وهو أخو اخوان واخوات من طراز فريد فما يملكه مبزول لغيره بلا حدود. وهو رائد نجدة دائمة من باب:
إذا قيل من فتى خلت أنني
دعيت فلم أبخل ولم اتردد
وحنين اسم على مسمى أول معرفتي بها أثناء ممارضة أخيها المرحوم إسماعيل كانت له نعم الحنين، وظلت عباراته اليائسة لها في ظروف احتضاره أنا تعبان يا حنين ساكنة في نفسي لمدة طويلة. وهي كما أحب سيدة عاملة وتشرف الآن على وحدة رعاية مكثفة: وافق شنٌ طبقة. وهي إلى ذلك تجسد حسن الخلق والخلق. ليكن للعروسين نصيب من اسميهما بشرى وحنين من باب (الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ).
سابعاً: اللهم بارك للزوجين في عش مودة ورحمة ومحبة وذرية صالحة، وأشملهما وأهلهما بدعوة إبراهيم عليه السلام (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِيۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ* رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ).

والسلام عليكم ورحمة الله.
12/12/2017م

شارك:

منشور له صلة

الاسبوع السياسي التعبوي

الاسبوع السياسي التعبوي

حزب الامة القومي ولاية جنوب دارفور الاسبوع السياسي التعبوي الله أكبر ولله الحمد انطلق ظهر اليوم السبت الاسبوع السياسي التعبوي لحزب الامة القومي...

قراءة المزيد